القراءة
قالتِ الأرضُ للشاعر أدونيس
شرح القصيدة
قالت الأرض في جذوري أبا دُ حنين وكلُّ نبضي سؤالُ بيَ جوعٌ إلى الجمال ومن صدْ ريَ كان الهوى وكانَ الجمالُ |
آباد: جمع أبد، وهي السنين الدائمة والتي لا نهاية لها.
نبض: التحرّك في المكان، وهو علامة على الحياة.
يرمزُ (الجمالُ) إلى العطاء والخير.
مقصود البيت أنَّ الإنسانَ دائمُ الحنينِ إلى أرضِه. وهذه عاطفةٌ لا تنتهي.
شبّه الشاعرُ الأرضَ بإنسانٍ يتحدّثُ، ووصَفَ الأرضَ بأنَّ لها قلبٌ ينبضُ ومع كلِّ نبضةٍ تُطرَحُ عِدّةُ أسئلةٍ فيها الشوقُ والحنينُ لأهلِها، فهي –الأرض- أصيلةٌ لها جذورٌ ولها تاريخٌ طويلٌ، وهي دائمِاً تحتاجُ إلى الجمالِ –معَ أنّها أصلُ الجمال- وكأنّهُ الغذاءُ الذي تنمو وتعيشُ به.
قُمْ مع الشمس يا شبابي وحرِّكْ عالماً ساهِمَ البصيرة جامِدْ أنتَ علّمته الحياة قديماً وستبقى له دليلاً ورائدْ |
ساهِم: شاردَ الذهنِ ومَن تغيّرَ لونُهُ عن حالِهِ لعارضٍ مِنْ هَمّ.
البصيرة: ذوو الخبرةِ والحكمةِ والتفكير.
رائد: أصلها (رَوَدَ) وتعني مُوجِّهاً أو مُرشِداً.
قم مَعَ الشمس: (أول طلوعها) كناية عن الإسراعِ في مواكبةِ الحضارةِ والتقدّم.
دَعتِ الأرضُ شبابَها أن يتحرّكوا ويواكبوا النهضةَ والحضارةَ، ويغيّروا هذا العالّمَ الذي قد تجمّدَ بشرودِ ذِهْنِ شبابِهِ، فالشبابُ هم العلماءُ القدامى بشتى أنواع الفنونِ، وسيبقون يعلمون العالم معنى الحياةِ، والتفكر فيما تُقدّمه لهم مِن براهينَ.
أنا سوّيتُ من عروقيَ أبنا ئي وربّيتهم ذرىً وجبالا يتسامَون فالطموح مدىً جد بٌ ويحيون في الزمان مثالا أنا سوّيتُ من عروقي أطفا لي وسوّيتُ فيهمِ الأطفالا |
ذرىً: أعالي المرتفعات.
يَتسامون: يرتفعون.
جَدبٌ: قحط لا زرع فيه ولا ماء.
عروقي: مفردها عِرق وهو الشريان.
سَويّتُ: أتممتُ.
يُقصد بـ (ويحيونَ في الزمانِ مِثالاً) القدوة.
وأفادةِ الزيادةُ في كلمة (يحيون) التعدية. وأصلها حَيَيَ.
وقوله: (وَرَبَّتهُمْ ذرى وجبالا) كناية عن الشموخ والعزّةِ.
وكنّى عن (الأطفال) بالبراءةِ.
شبّه الشاعرُ الأرضَ بالأمِّ، وشبّه جِبالها بالأبناءِ، وهنا تبرزُ عاطفةُ الإعجابِ بالأبناءِ.
أضاف الشاعرُ على الأرضِ صفةَ الأمِّ، والتي تحملُ أبناءَها ثمّ أصبحوا مِثالاً عالياً يُنظرُ إليهم، ولهم عظمتهم كالجبال الرواسي ولهمْ طموحهم الذي يعلون به فلا ينتهي على مرّ الزمان؛ لأنهم القدوةُ، وينظرون إلى الأرضِ على أنّها قاحلةٌ لِيَعمُروها أكثرَ فأكثرَ على مرِّ الأجيالِ.
وغداً تلعب الطفولة بالور دِ وتنمو حقولنا وتفيض يملأ الخير أرضنا فإذا الشعـ ـبُ نموٌّ وقوّةٌ ونهوض وإذا أرضنا منائر لا تخـ ـبو ودفْقٌ من الشذى لا يغيض كل فقْرٍ يفنى، ويفنى مع الفقـ ــر زمانٌ جَهْمٌ وكَوْنٌ بَغيضُ |
منائِر: جمعُ منارةٍ وهي أعمدةُ الضياءِ.
تخبو: يَضعُفُ نورُها.
الشذا: قوةُ الرائحةِ.
دفق: مَصبوبٌ إذا زادَ الماءُ وفاضَ مِن جوانِبهِ.
جَهمٌ: عابِسٌ.
يغيضُ: يَنزلُ في الأرضِ ويغيبُ فيها.
بغيض: مكروه.
أصل كلمة (قوّة) قَوِيَ.
قوله: "وإذا أرضُنا منائرُ لا تَخبو" شبّه الأرضَ بأعمدةِ الضياءِ وهي تدلُّ على الهداية.
الورد: رمزٌ للمحبةِ وتُعبّرُ عن سيادةِ المحبّةِ في الأرضِ.
وغداً، عبارةٌ جميلةٌ تُبرزُ عاطفةَ الأملِ والتفاؤلِ بمستقبلِ الأرضِ. والطفولةُ: ترمزُ إلى البراءة.
فتنقلنا الأبياتُ إلى المستقبلِ والذي يَنعمُ فيه الأولادُ ببراءتهم مع الورود ويزيدُ نتاجُ محاصيلنا وينمو اقتصادُنا؛ فتجدُ الشعبَ كلما نما قويَ ونهض، فأصبحَ كأعمدةِ النورِ والتي لا تَنطفىء.
ولعطاء الشعبِ رائحةٌ عَطِرةٌ لا تذهبُ مرّةً أخرى إلى باطن الأرضِ.
ستجدُ أنّ أنواعَ الفقرِ في أرضنا ستفنى، وسيفنى مع الفقرِ ذاك الزمنُ العابسُ بأهلهِ النيام، وسيفنى الكونُ الذي كرِهَهُ كلُّ الناسِ لِما فيه مِن التأخيرِ وعدمِ النّهوضِ للمستقبل.
ملحوظة: لا يجوزُ وصفُ الزمنِ بالعبوسِ؛ لأنّهُ الدّهرُ، والدهرُ اختصّ به الله تعالى.
قالَ اللهُ عزَّ وجلَّ: "يؤذيني ابنُ آدمَ يقولُ: يا خيبة الدهرِ فلا يقولنَّ أحَدُكم: يا خيبة الدهرِ فإنّي أنا الدهرُ، أقلبُ ليلهُ ونهارهُ، فإذا شئتُ قبضتهما". صحيح مسلم 2236
أنا فيها الفلاح أزرعها قمـ ـحاً وورداً وأقلع الأشواكا سكّتي تنطح الصخور وتمشي في الأحافيرِ نَشْوةً وعِراكا وحقولي سنابلٌ تفرع النجـ ــم كأني زرعتُ فيها السِّماكا |
سكتي: حديدةٌ (المِحراث) الذي يُحرثُ بها.
أحافير: جمع حُفرة.
تفْرَعُ: تعلو وتطاولُ.
السّماك: نجمٌ منيرٌ في السماءِ.
أصل كلمةِ (نشوة) هي (نَشَوَ) وهنا ترمزُ للرغبةِ في النصرِ والرفعةِ.
الورد: رمزٌ للمحبةِ وتعبّرُ عن سيادةِ المحبّةِ في الأرض.
والأشواك: ترمز للصعوباتِ.
قوله: "كأني زرعتُ فيها السِّماكا": شبّه الحبَّ الذي يزرعه ثم ينمو ويعلو مثلَ السنابل بالنجومِ العالياتِ.
قوله: "يزرع الأرضَ قمحاً وورداً، ويقلعُ الأشواكا": أي إنّهُ رمزٌ للعطاءِ والمحبّةِ في الأرضِ، وتذليلٌ للصعوبات.
أشارَ الشاعرُ في قولِهِ: "وحقولي سنابلٌ تفرع النّجمَ" إلى صفتينِ يتميّز بهما الإنسانُ الناجحُ.
بيّنهُما. الثقة فيما يعمل، والإتقانُ في العمل.
الإنسانُ يَفْلحُ أرضه، ويزرعها قمحاً للطعامِ وورداً للجمالِ، ويقتلعُ الأشواكَ التي تعترضُ طريقهُ بسكته والتي تعبّر عن الجُهدِ الذي يبذله وهو ينطحُ الصخورَ ويزيلها ولا يُهمّهُ تلك الحفرُ التي قد تنزله إلى القاع؛ لأنّهُ يرتفعُ بهمّتهِ وعطائِه ويجدُ في ذلك حلاوةً ورغبةً في تحقيق النجاحِ والنصرةِ على العقبات، وعندئذٍ يفرحُ بمستقبلٍ زاهرٍ كانت الحبّةُ تحتَ الأرضِ وهي الآن تُعانقُ السماءَ في علوّها.
إعداد : أ. يوسف الرفاعي
27 / 04 / 2020
النقاشات